دول حبيسة: تحديات اقتصادية وجغرافية

عدد الدول التي لا تطل على البحر

تعتبر المسطحات المائية من العوامل الطبيعية التي تساهم في تشكيل الحدود الجغرافية والسياسية بين الدول، حيث أن البحر والمحيطات تؤثران بشكل كبير على الاقتصاد، الثقافة، وطرق التواصل بين الشعوب. لكن على الرغم من أن العديد من الدول تمتلك سواحل بحرية تجعلها تمتلك واجهة بحرية، هناك مجموعة من الدول التي لا تطل على البحر أو أي مسطح مائي آخر. هذه الدول تُعرف بالدول الحبيسة أو غير الساحلية، وهي الدول التي تحدها فقط حدود برية مع الدول الأخرى.

مفهوم الدولة الحبيسة

الدولة الحبيسة هي الدولة التي لا تملك أي اتصال مباشر مع البحر أو المحيطات. في هذه الحالة، تكون هذه الدول معزولة عن العوالم البحرية والممرات التجارية التي تتيحها السواحل. نتيجة لذلك، تواجه هذه الدول تحديات اقتصادية وبيئية ولوجستية كبيرة، مثل صعوبة الوصول إلى الأسواق العالمية عبر البحر، والتي تعتبر أحد أهم طرق التجارة الدولية. كما أن هذه الدول تفتقر إلى الثروات البحرية التي تمتلكها الدول ذات السواحل، مثل الأسماك والموارد الطبيعية البحرية الأخرى.

كيف يتم تحديد الدول الحبيسة

تعتمد تصنيف الدول الحبيسة على المفهوم الجغرافي البسيط، حيث يتم تحديد ما إذا كانت الدولة تطل على البحر أو لا، وفقًا للحدود البرية والجغرافية التي تفصلها عن أقرب ساحل بحري. يتم تصنيف الدول كدول حبيسة إذا كانت محاطة فقط بالأراضي البرية ولا تمتلك واجهة بحرية مع أي محيط أو بحر.

إحصائيات حول الدول الحبيسة

حسب الدراسات الإحصائية والبيانات الجغرافية، يوجد في العالم حوالي 44 دولة حبيسة. هذه الدول تنتشر في مختلف القارات، لكنها بشكل عام تمثل نسبة صغيرة من إجمالي عدد الدول في العالم. الدول الحبيسة تمثل تحديات اقتصادية مختلفة، حيث تفتقر إلى المنافذ البحرية التي قد تسهم في تحسين التجارة الخارجية والاقتصاد المحلي.

الدول الحبيسة في قارة إفريقيا

في القارة الإفريقية، توجد عدة دول حبيسة التي تُواجه تحديات اقتصادية كبيرة بسبب غياب الوصول إلى البحر. من بين هذه الدول:

• أوغندا: تعد أوغندا دولة حبيسة في شرق إفريقيا، وهي محاطة بكل من كينيا، تنزانيا، رواندا، بوروندي وجنوب السودان.

• بوركينا فاسو: تقع بوركينا فاسو في غرب إفريقيا، وهي محاطة بالنيجر، مالي، غانا، ساحل العاج، توغو، وبنين.

في هذه الدول، تُعد التجارة البرية هي الوسيلة الرئيسية للنقل والتجارة مع الدول الأخرى، مما يفرض تكاليف إضافية على صادراتها ووارداتها. بعض هذه الدول تعتمد بشكل كبير على الموانئ الموجودة في الدول المجاورة لها لتتمكن من تصدير أو استيراد البضائع.

الدول الحبيسة في قارة آسيا

القارة الآسيوية، مثل القارة الإفريقية، تحتوي أيضًا على دول حبيسة. أبرز هذه الدول هي:

• كازاخستان: تعتبر كازاخستان أكبر دولة حبيسة في العالم من حيث المساحة. وهي تقع في وسط قارة آسيا وتحدها روسيا من الشمال، الصين من الشرق، ومنغوليا، قيرغيزستان، أوزبكستان، وتركمانستان من الجنوب.

• أفغانستان: تقع أفغانستان في قلب آسيا الجنوبية، وتحيط بها إيران، باكستان، الهند، الصين، وطاجيكستان.

هذه الدول تعتمد على جيرانها المجاورين للوصول إلى الموانئ البحرية من خلال طرق البر والسكك الحديدية. إضافة إلى ذلك، تتمتع بعض هذه الدول بممرات تجارية دولية قد تعزز من فرصها في تصدير المواد الخام.

الدول الحبيسة في قارة أمريكا

في قارة أمريكا، توجد أيضًا بعض الدول الحبيسة، مثل:

• باراغواي: تقع في قلب قارة أمريكا الجنوبية، وهي محاطة بالأرجنتين من الجنوب، بوليفيا من الشمال الغربي، والبرازيل من الشمال والشرق.

• بوليفيا: تعتبر بوليفيا واحدة من الدول الحبيسة في أمريكا الجنوبية، حيث أنها كانت تمتلك منفذًا إلى البحر حتى خسارته في الحرب مع شيلي في القرن التاسع عشر.

في كلا هاتين الدولتين، يعد النقل البري عبر الحدود المجاورة وسيلة حيوية للوصول إلى الأسواق العالمية، مما يعقد عملية التجارة ويزيد من تكاليف النقل.

الدول الحبيسة في أوروبا

في أوروبا، الدول الحبيسة ليست كثيرة مقارنةً بالقارات الأخرى، لكن هناك بعض الدول التي لا تطل على أي بحر أو محيط:

• سويسرا: رغم كونها واحدة من أغنى دول العالم، إلا أن سويسرا لا تمتلك أي سواحل بحرية. وهي محاطة بكل من ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، النمسا، وليختنشتاين.

• النمسا: هي الأخرى دولة حبيسة تقع في وسط أوروبا، تحدها ألمانيا من الشمال، جمهورية التشيك من الشمال الشرقي، المجر من الشرق، سلوفينيا من الجنوب، وإيطاليا من الجنوب الغربي.

على الرغم من غياب السواحل، فإن هذه الدول تتمتع بقدرات اقتصادية قوية بفضل تطور صناعتها وتجارة السلع عبر الحدود البرية.

التحديات الاقتصادية والسياسية

الدول الحبيسة تواجه تحديات اقتصادية وسياسية كبيرة. من بين هذه التحديات:

1. التجارة والنقل: عدم وجود سواحل بحرية يجعل هذه الدول معتمدة بشكل كامل على وسائل النقل البرية والسكك الحديدية للوصول إلى الأسواق العالمية. وهذا يرفع تكاليف النقل بشكل ملحوظ.

2. الوصول إلى الموارد البحرية: الدول الحبيسة تفتقر إلى الثروات البحرية مثل الأسماك والمعادن التي يمكن استخراجها من البحر. وبالتالي، لا يمكنها الاستفادة من هذه المصادر الطبيعية.

3. الضغط السياسي: في بعض الحالات، قد تواجه الدول الحبيسة ضغطًا سياسيًا من جيرانها الذين يمتلكون الموانئ البحرية. قد يؤثر هذا على علاقات هذه الدول التجارية والدبلوماسية.

الحلول الممكنة للتغلب على هذه التحديات

على الرغم من التحديات التي تواجهها الدول الحبيسة، فإن العديد منها تمكنت من إيجاد حلول للتغلب على هذه الصعوبات. على سبيل المثال:

• التعاون الإقليمي: العديد من الدول الحبيسة أبرمت اتفاقيات تجارية مع جيرانها الساحليين للوصول إلى الموانئ البحرية. هذه الاتفاقيات تسهل حركة البضائع وتقلل التكاليف.

• النقل عبر السكك الحديدية: بعض الدول الحبيسة مثل كازاخستان وبوليفيا عملت على تطوير شبكات سكك حديدية تربطها بالموانئ البحرية في الدول المجاورة، مما يساعد على تقليل التكاليف اللوجستية.

• استثمار في الممرات الدولية: بعض الدول الحبيسة تستفيد من موقعها الاستراتيجي لربط التجارة بين مختلف المناطق. مثلما هو الحال مع سويسرا التي تعتبر مركزًا ماليًا مهمًا في أوروبا.

الخاتمة

إن عدد الدول التي لا تطل على البحر يُظهر أن هذا التصنيف الجغرافي ليس مجرد مسألة حدود، بل هو مؤشر على مجموعة من التحديات التي تواجهها هذه الدول في مجالات التجارة والنقل والاقتصاد. ورغم هذه الصعوبات، فإن الكثير من الدول الحبيسة تمكنت من تجاوز هذه التحديات بفضل التعاون الإقليمي والاستثمار في البنية التحتية والنقل.